بقلم
أحمد فؤاد
(1)
انتبهت لوجهها في المرآة . . أمعنت النظر لحواسه كما لو كانت تراه لأول مرة, تأكدت إنها لم تعد تهتم بمظهرها كما كانت تفعل من قبل!
الشفتان مكتنزتان ؛ دون طلاء , والعينان الزرقاوان غائرتان ينسال منهما الكحل , والأهداب منكسة – صوب دموع تترقرق من أغوار الجفون . . تنساب علي وجنتيها , تتكاثف كالرذاذ علي أوراق أشجار متكلسة, الفستان مجرد ثوب فضفاض يتناسب مع تضاريس جسدها يبرز صدرها المليء من تحت كشكشة الدكولتيه. تفتح عينيها باتساع . . تدغدغها ملامح وجهها التي تبدو غائمة , تغلق عينيها بوداعة , تسترخي جفونها , تسترجع الذكريات قبل سنوات طويلة . . القوام الرياضي الممشوق المسيج بماء الورد وصدر يحتضن قمران تذوب فيهما قبلات ليالي الربيع . .
الزوج ؛ الشاب الذي كان لا يرفع عينه عنها كلما رأها . قصة حبهما وزواجهما , طفليها . . تتولد بداخلها هواجس الأفكار . . تشعر بها تسري تحت ضلوعها . . تعود من شرودها , تنظر مرة أخرى للمرآة . . تستسلم للحقيقة المفزعة , الوجه شاحب ضاحت فيه ملامح إبتسامة بعيدة, ترتدي ثياب الخروج,تمشط شعرها, لاحظت خطوط الشيب في فيه, تستدير , تحمل حقيبة يدها . . تخلو من أدوات التجميل التي كانت تكتظ بداخلها . . تخرج . . تغلق الباب خلفها بعنف وبيدها مفاتيح السيارة وعلبة السجائر, تحاول قدر الإمكان أن تشعل سيجارة وهي تخرج من المصعد . . لم تستطيع , ثم وهي تخرج من باب العمارة , ثم مرة أخري وهي تقود السيارة ؛ نجحت تلك المرة , كانت تلك العادة قد ظهرت عليها من فترة قريبة وكان ذلك النوع من السيجار المنكه الرفيع للغاية التي تلجأ إليها النساء لتدخينه دائمًا.
( 2 )
إنها الآن داخل غرفة التعّرق ( الساونا ), انتبهت لقطرات العرق التي أخذت تنسرب من ثنايا جسدها الشبه عاري البدين, إذ تتصبب القطرات غامرة جلدها الأبيض المشرب بحمرة, وهي تتطلع لجسدها بكل ثناياه من أسمال كساتها السمنة المفرطة تتراكم ترهلاتها علي بعضها البعض في انحناءات لتفضي لبطن مترهلة تحوي سرة غائرة في اللحم , ومؤخرة مستديرة ممتلئة , وصدر ممتلئ مشبع مرتخي صار عبء علي جسدها وأكثر ثقلا ً, وأرداف متكوزة مكببة, وهي تراقب ساقيها البيضاوين الممتلئين التي نمت بهما دوالي رفيعا تسلقتهما كأغصان اللبلاب تنتهي بخطوط داكنة واهية.
( 3 )
تأكدت الآن أنها صارت أكثر شبها ً بأمها, ليس فقط في العينان الزرقاوان والشعر الأصفر وإيماءات جسدها وصوتها الناعم الهادي , ولكن أيضًا في سمنتها وهي امرأة علي مشارف الأربعين من عمرها وصارت مشيتها خطوات بطيئة متمهلة حذرة .
مازلت تتخيل نفسها في تلك المشاهد المتعاقبة المثيرة للأسى دون أن تلجأ إلي مشاهد أخري تري نفسها بصورة أجمل ولكن ذلك الواقع والحقيقة المريرة المتراكمة بداخلها .
يغمرها الإحساس باللاجدوي , فهي أكثر من مرة تدخل تلك الغرفة الضيقة المغطاة جدرانها وأرضيتها من الداخل بخشب الباركية وهي تحاول التخلص من بعض سِمنتها, ومن العبارات الجارحة التي تسمعها من زوجها . . . مما دفعها لترك المنزل وطفليها بعد سنوات طويلة من الزواج وتعود لتقطن شقة والديها , لم تكن تتصور أن حدة الخلاف بينها و بين زوجها قد تصل لتلك الأحداث القاسية بعد سنوات طويلة شهدت خلالها أجمل لحظات وأن يفترقا بكل سهولة, كان قد تسلل إليها الشك . . بوجود امرأة أخرى في حياته, وكان ذلك التغيير الملحوظ بالاهتمام المفاجئ بمظهره لدرجة شديدة علي غير العادة دليل قاطع, أصبح شخص آخر كأنها لا تعرفه, ليس هو الشخص الذي أحبته وأحبها, والعبارات الجارحة التي صارت تسمعها منه كل يوم ما إلا أسباب غير منطقية يخفي بها أشياء أخري ولذلك قررت أن تنسحب من حياته بصمت يطوي كل ألأمها وأحزانها.
( 4 )
حرارة الغرفة تفوق حرارة شمس مضطرمة, وفي حركة مباغتة مدت يدها تجفف قطرات عرق تتكاثف علي أسارير جبهتها, تشم رائحة العرق النفاذة تنبعث من جسدها, تتسع حدقتي عينيها . . تتفحص جسدها . . تكويراته و منحنياته , تتلمسه بأناملها , تشعر بالقطرات تنزلق من مجرى نهديها . . شرعت للخروج . . تتجه نحو الحمام عبر ممر صغير . . واقفة تحت رشاش المياه . . تشعر بدرجة حرارة جسدها تنخفض, تسمع خرير المياه المتدافع . . تشابك أناملها فوق رأسها , تغمض عينيها . . تسمرت لفترة , تطلق تنهدات وزفرات , تغلق رشاش المياه , تحكم حولها منشفة كبيرة . . .
( 5 )
في اليوم التالي كانت قد اتخذت قرارها بزيارة طبيب أخصائي (جراحات تجميل) وكانت قد بدلت أثوابها وارتدت عبائة سوداء واسعة تبدو أكثر انسجاما ً مع تضاريس جسدها, و تركت شعرها الأصفر يتهدل خلف ظهرها بخصلات متشابكة بغير تناسق لعدم الإهتمام بتصفيفه جيدًا, ظلت طيلة النهار تحاول أن تنتزع تلك الفكرة من رأسها وتحاول أن تتناسى في محاولة عاجزة, ولكن تلك الأحاسيس المثقلة بداخلها كلها تدفعها لذلك ؛ تدفعها لأي شي يمكن فعله
رغبة جامحة في التغيير بحثا عن مظهر لجسد متناسق ورشيق . . كل ذلك يدفعها للتشبث أكثر بالفكرة.
( 6 )
تري اللافتة الزرقاء الكبيرة المضيئة تحتل واجهة الدور الأول ( المركز المصري العربي لجراحات التجميل ), صعدت درجتين من السلم في تمهل .. أقلت المصعد للطابق الأول ثم دخلت الاستراحة وجالت بنظرها إلي أن وقع نظرها علي مكتب الممرضة النحيفة السمراء , تقدمت بخطوات ناحية المكتب ودون أن تنبس حدقت إليها الممرضة بعيناها السودوان الواسعتان وقالت : " مائة وخمسون جنيها ودورك السابع . . الأسم . . . " أدارت ظهرها نحو المقاعد . . رمت نفسها علي مقعد كبير تغوص فيه .. يكتنز جسدها في بعض المناطق كالأرداف والمؤخرة , و تظهر ساقيها بيضاوين ممتلئين من أثر الثوب المرفوع نتيجة الجلوس . و صارت تتأمل كل الحاضرين , معظمهن مثلها من النساء البدينات , يجلسن يعتري وجههن الملل من طيلة الانتظار, وبعد فترة ليست بقليلة سمعت الممرضة تناديها للدخول لغرفة الطبيب . جلست علي مقعد مواجه له, و رائحة الحبهان تفوح من فنجان قهوة يحتسيه , ملامح وجهه تبدو مسالمة وشعره أسود لامع , أخذت تسرد وبعدما فرغت إلتفت إليها وهو يضع نظارة طبية علي عينين سوداوين مبتسما ً
" سنجري عملية . . واضح "
ردت بإيماءة سريعة وصغيرة , حدق إليها وعيناها صوب صورة معلقة علي الحائط تبدو من ملامح واجهها خائفا قائلا :
" اطمئني سنجري العملية تحت مخدر موضعي . . سنحتاج إلي بعض الفحوصات , قد نلجأ لتصوير المناطق المراد فيها الشفط . . واضح "
إبتسمت وهي تغمض عينيها خجلا ً لتكشف شفتاها عن أسنان بيضاء صغيرة منتظمة, خرجت وهي تتفحص ورقة أعطاها لها الطبيب وهي تحاول قدر الإمكان الإسراع في خطواتها رغم امتلاء جسدها, وأخذت تدخن سيجارة .
أحمد فؤاد
(1)
انتبهت لوجهها في المرآة . . أمعنت النظر لحواسه كما لو كانت تراه لأول مرة, تأكدت إنها لم تعد تهتم بمظهرها كما كانت تفعل من قبل!
الشفتان مكتنزتان ؛ دون طلاء , والعينان الزرقاوان غائرتان ينسال منهما الكحل , والأهداب منكسة – صوب دموع تترقرق من أغوار الجفون . . تنساب علي وجنتيها , تتكاثف كالرذاذ علي أوراق أشجار متكلسة, الفستان مجرد ثوب فضفاض يتناسب مع تضاريس جسدها يبرز صدرها المليء من تحت كشكشة الدكولتيه. تفتح عينيها باتساع . . تدغدغها ملامح وجهها التي تبدو غائمة , تغلق عينيها بوداعة , تسترخي جفونها , تسترجع الذكريات قبل سنوات طويلة . . القوام الرياضي الممشوق المسيج بماء الورد وصدر يحتضن قمران تذوب فيهما قبلات ليالي الربيع . .
الزوج ؛ الشاب الذي كان لا يرفع عينه عنها كلما رأها . قصة حبهما وزواجهما , طفليها . . تتولد بداخلها هواجس الأفكار . . تشعر بها تسري تحت ضلوعها . . تعود من شرودها , تنظر مرة أخرى للمرآة . . تستسلم للحقيقة المفزعة , الوجه شاحب ضاحت فيه ملامح إبتسامة بعيدة, ترتدي ثياب الخروج,تمشط شعرها, لاحظت خطوط الشيب في فيه, تستدير , تحمل حقيبة يدها . . تخلو من أدوات التجميل التي كانت تكتظ بداخلها . . تخرج . . تغلق الباب خلفها بعنف وبيدها مفاتيح السيارة وعلبة السجائر, تحاول قدر الإمكان أن تشعل سيجارة وهي تخرج من المصعد . . لم تستطيع , ثم وهي تخرج من باب العمارة , ثم مرة أخري وهي تقود السيارة ؛ نجحت تلك المرة , كانت تلك العادة قد ظهرت عليها من فترة قريبة وكان ذلك النوع من السيجار المنكه الرفيع للغاية التي تلجأ إليها النساء لتدخينه دائمًا.
( 2 )
إنها الآن داخل غرفة التعّرق ( الساونا ), انتبهت لقطرات العرق التي أخذت تنسرب من ثنايا جسدها الشبه عاري البدين, إذ تتصبب القطرات غامرة جلدها الأبيض المشرب بحمرة, وهي تتطلع لجسدها بكل ثناياه من أسمال كساتها السمنة المفرطة تتراكم ترهلاتها علي بعضها البعض في انحناءات لتفضي لبطن مترهلة تحوي سرة غائرة في اللحم , ومؤخرة مستديرة ممتلئة , وصدر ممتلئ مشبع مرتخي صار عبء علي جسدها وأكثر ثقلا ً, وأرداف متكوزة مكببة, وهي تراقب ساقيها البيضاوين الممتلئين التي نمت بهما دوالي رفيعا تسلقتهما كأغصان اللبلاب تنتهي بخطوط داكنة واهية.
( 3 )
تأكدت الآن أنها صارت أكثر شبها ً بأمها, ليس فقط في العينان الزرقاوان والشعر الأصفر وإيماءات جسدها وصوتها الناعم الهادي , ولكن أيضًا في سمنتها وهي امرأة علي مشارف الأربعين من عمرها وصارت مشيتها خطوات بطيئة متمهلة حذرة .
مازلت تتخيل نفسها في تلك المشاهد المتعاقبة المثيرة للأسى دون أن تلجأ إلي مشاهد أخري تري نفسها بصورة أجمل ولكن ذلك الواقع والحقيقة المريرة المتراكمة بداخلها .
يغمرها الإحساس باللاجدوي , فهي أكثر من مرة تدخل تلك الغرفة الضيقة المغطاة جدرانها وأرضيتها من الداخل بخشب الباركية وهي تحاول التخلص من بعض سِمنتها, ومن العبارات الجارحة التي تسمعها من زوجها . . . مما دفعها لترك المنزل وطفليها بعد سنوات طويلة من الزواج وتعود لتقطن شقة والديها , لم تكن تتصور أن حدة الخلاف بينها و بين زوجها قد تصل لتلك الأحداث القاسية بعد سنوات طويلة شهدت خلالها أجمل لحظات وأن يفترقا بكل سهولة, كان قد تسلل إليها الشك . . بوجود امرأة أخرى في حياته, وكان ذلك التغيير الملحوظ بالاهتمام المفاجئ بمظهره لدرجة شديدة علي غير العادة دليل قاطع, أصبح شخص آخر كأنها لا تعرفه, ليس هو الشخص الذي أحبته وأحبها, والعبارات الجارحة التي صارت تسمعها منه كل يوم ما إلا أسباب غير منطقية يخفي بها أشياء أخري ولذلك قررت أن تنسحب من حياته بصمت يطوي كل ألأمها وأحزانها.
( 4 )
حرارة الغرفة تفوق حرارة شمس مضطرمة, وفي حركة مباغتة مدت يدها تجفف قطرات عرق تتكاثف علي أسارير جبهتها, تشم رائحة العرق النفاذة تنبعث من جسدها, تتسع حدقتي عينيها . . تتفحص جسدها . . تكويراته و منحنياته , تتلمسه بأناملها , تشعر بالقطرات تنزلق من مجرى نهديها . . شرعت للخروج . . تتجه نحو الحمام عبر ممر صغير . . واقفة تحت رشاش المياه . . تشعر بدرجة حرارة جسدها تنخفض, تسمع خرير المياه المتدافع . . تشابك أناملها فوق رأسها , تغمض عينيها . . تسمرت لفترة , تطلق تنهدات وزفرات , تغلق رشاش المياه , تحكم حولها منشفة كبيرة . . .
( 5 )
في اليوم التالي كانت قد اتخذت قرارها بزيارة طبيب أخصائي (جراحات تجميل) وكانت قد بدلت أثوابها وارتدت عبائة سوداء واسعة تبدو أكثر انسجاما ً مع تضاريس جسدها, و تركت شعرها الأصفر يتهدل خلف ظهرها بخصلات متشابكة بغير تناسق لعدم الإهتمام بتصفيفه جيدًا, ظلت طيلة النهار تحاول أن تنتزع تلك الفكرة من رأسها وتحاول أن تتناسى في محاولة عاجزة, ولكن تلك الأحاسيس المثقلة بداخلها كلها تدفعها لذلك ؛ تدفعها لأي شي يمكن فعله
رغبة جامحة في التغيير بحثا عن مظهر لجسد متناسق ورشيق . . كل ذلك يدفعها للتشبث أكثر بالفكرة.
( 6 )
تري اللافتة الزرقاء الكبيرة المضيئة تحتل واجهة الدور الأول ( المركز المصري العربي لجراحات التجميل ), صعدت درجتين من السلم في تمهل .. أقلت المصعد للطابق الأول ثم دخلت الاستراحة وجالت بنظرها إلي أن وقع نظرها علي مكتب الممرضة النحيفة السمراء , تقدمت بخطوات ناحية المكتب ودون أن تنبس حدقت إليها الممرضة بعيناها السودوان الواسعتان وقالت : " مائة وخمسون جنيها ودورك السابع . . الأسم . . . " أدارت ظهرها نحو المقاعد . . رمت نفسها علي مقعد كبير تغوص فيه .. يكتنز جسدها في بعض المناطق كالأرداف والمؤخرة , و تظهر ساقيها بيضاوين ممتلئين من أثر الثوب المرفوع نتيجة الجلوس . و صارت تتأمل كل الحاضرين , معظمهن مثلها من النساء البدينات , يجلسن يعتري وجههن الملل من طيلة الانتظار, وبعد فترة ليست بقليلة سمعت الممرضة تناديها للدخول لغرفة الطبيب . جلست علي مقعد مواجه له, و رائحة الحبهان تفوح من فنجان قهوة يحتسيه , ملامح وجهه تبدو مسالمة وشعره أسود لامع , أخذت تسرد وبعدما فرغت إلتفت إليها وهو يضع نظارة طبية علي عينين سوداوين مبتسما ً
" سنجري عملية . . واضح "
ردت بإيماءة سريعة وصغيرة , حدق إليها وعيناها صوب صورة معلقة علي الحائط تبدو من ملامح واجهها خائفا قائلا :
" اطمئني سنجري العملية تحت مخدر موضعي . . سنحتاج إلي بعض الفحوصات , قد نلجأ لتصوير المناطق المراد فيها الشفط . . واضح "
إبتسمت وهي تغمض عينيها خجلا ً لتكشف شفتاها عن أسنان بيضاء صغيرة منتظمة, خرجت وهي تتفحص ورقة أعطاها لها الطبيب وهي تحاول قدر الإمكان الإسراع في خطواتها رغم امتلاء جسدها, وأخذت تدخن سيجارة .